«لم نعد نستطيع الصيد كما في السابق، فقد أصبحت بوارج الحوثيين والألغام البحرية تشكل خطرًا كبيرًا على حياتنا، بعض قوارب أصدقائنا خرجت للصيد ولم تعد.. والبحر أصبح مكانًا مخيفًا وكارثة حقيقية ».
بهذه الكلمات يصفُ الصيّاد اليمني، محمد السنفوري، أزمة الملاحة التي عصفت بالصيد والأعمال التجارية في البحر الأحمر.
وعلى مدى السنوات الماضية، مثَّلت هجمات الحوثيين في منطقة البحر الأحمر، والتي بدأتها دعمًا للمقاومة الفلسطينية في حرب غزة، أكثر العوامل تأثيرًا على المنطقة العربية، وأدت إلى تأثر حركة الملاحة في البحر الأحمر، والذي يُعدّ أحد أهم الممرات البحرية في العالم، حيث تمرّ عبره نحو 30% من حركة الحاويات العالمية، فضلًا عن التأثيرات البيئية التي وصفها متخصصون بـ "الكارثية".
الأزمة التي بدأت تُلقي بظلالها بعد اندلاع حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، أثرت بشكل كبير على صناعة الشحن البحري، كما تسببت في تأثيرات بيئية واقتصادية. وقد أدّى تغيير حركة النقل من قناة السويس إلى طريق رأس الرجاء الصالح، إلى ارتفاع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، بسبب استهلاك السفن المزيد من الوقود، فيما ارتفعت تكاليف الشحن والتأمين، ما تسبّب بأزمات متعددة في اقتصادات دول المنطقة، وكذلك اقتصادات الشحن الدولي.
انخفضت الملاحة بقناة السويس إلى أكثر من 50%
ووفقًا للبنك الدولي، فإنّ الهجمات في البحر الأحمر أدّت إلى انخفاض حركة الملاحة في قناة السويس إلى 50 %، وذلك بعد حرب أكتوبر 2023 حتى الربع الأول من العام 2024. وأكد البنك الدولي أن تعطّل الملاحة في القناة التي تُعتبر أقصر طريق بحري يربط أوروبا وآسيا وتمرّ عبرها 15 % من حركة التجارة البحرية العالمية، أدّى إلى تعطيل سلاسل التوريد وتشويه المؤشرات الاقتصادية الأساسية.
وأفاد بأنّ حركة التجارة البحرية العالمية تأثرت بشكل سلبي، ما أدّى إلى زيادة الوقت المطلوب لتسليم الشحنات، بسبب الاتجاه إلى طريق رأس الرجاء الصالح، الذي يُعدّ بديلًا آمنًا على الرغم من أنه يمثل عبئًا على الشركات والدول، بسبب زيادة وقت العبور، فضلًا عن ارتفاع تكاليف الشحن والتأمين على السفن.
أمّا تحليل بيانات العبور من وإلى قناة السويس، فيشير إلى انخفاض عبور الناقلات والسفن التجارية عبر القناة إلى أكثر من 50% منذ منتصف العام 2023 الذي مثّل منعطفًا مهمًّا في عمليات الشحن البحري، وصولًا إلى أكتوبر الجاري.
وتكشف البيانات أنّه على الرغم من زيادة كُلفة الشحن والتأمين، وطول الطريق البحري البديل – رأس الرجاء الصالح – إلا أنّ الشركات لجأت لاستخدامه بسبب الخوف من الوقوع فريسةً لهجمات الحوثيين في البحر الأحمر، الأمر الذي انعكس إيجابًا على بعض دول الجنوب الأفريقي، مثل موانئ جيبوتي وجنوب أفريقيا.
فقد أدّت هجمات الحوثيين إلى زيادة عبور السفن بطريق رأس الرجاء الصالح، بنسبة تتجاوز 100% مع بداية تصاعد الهجمات.
وتشير البيانات إلى أنه رغم الهدوء النسبي الذي يشهده البحر الأحمر، نتيجة الوصول إلى اتفاق مبدئي بوقف إطلاق النار في غزة، إلا أنّ معدل مرور السفن ما زال منخفضًا بقناة السويس ومضيق باب المندب، مع ارتفاع الحركة بطريق رأس الرجاء الصالح.
الخسائر المباشرة لمصر تجاوزت 12 مليار دولار
ويؤكد العميد الأسبق لكلية النقل الدولي واللوجستيات في الأكاديمية العربية للنقل البحري بالقاهرة، الدكتور محمد علي، أنّ قناة السويس هي الشريان الأساسي الذي يربط آسيا بأوروبا، وأيّ اضطراب يؤثّر على حركة الملاحة بالقناة يؤثّر بشكلٍِ مباشر على كلّ الدول المطلّة على البحر الأحمر.
ويضيف خبير النقل واللوجستيات في تصريحٍ خاص لـ"الشبكة العربية للصحافة العلمية"، أنه منذ أحداث أكتوبر 2023 ارتفعت نسبة مرور السفن عن طريق رأس الرجاء الصالح إلى أضعاف ما كانت عليه سابقًا، وهو ما أدّى إلى انتعاش بعض الدول الأفريقية، مثل جيبوتي وجنوب أفريقيا، مشيرًا إلى أنّ التأثيرات الاقتصادية كانت كبيرة على دولٍ عدّة، وتحديدًا مصر، حيث خسرت ما يُقدّر بـ 9 مليارات دولار أميركي نتيجة التحوّل الملاحي.
ويتابع: "بالإضافة إلى هذه الخسائر، كانت رسوم عبور قناة السويس ترتفع سنويًّا ، وهذه الزيادة تمثل ما يقارب 3 مليارات دولار إضافية، أي أن الخسائر المباشرة لمصر تجاوزت 12 مليار دولار.
وعلى الرغم من أن الربع الأخير من العام 2023 شهد بداية هجمات الحوثيين بالبحر الأحمر وتعطيل حركة الملاحة، إلا أنه وفقًا لتحليل بيانات هيئة قناة السويس، فقد شهد أكبر حركة مرور في تاريخ القناة ، حيث وصل إجمالي عدد السفن العابرة بالقناة إلى أكثر من 26 ألف سفينة من يناير/ كانون الثاني 2023 وحتى ديسمبر/ كانون الأول من العام ذاته، بمتوسط مرور يومي بلغ 72.4 سفينة.
ووفقًا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري، فإنّ قناة السويس شهدت في ديسمبر 2023 ارتفاع عائداتها إلى 23.1 مليار جنيه (نحو 485 مليون دولار)، مقابل 18.2 مليار جنيه (نحو 382 مليون دولار) للشهر ذاته من عام 2022.
ويشير الجهاز المركزي في النشرة المعلوماتية التي يصدرها بشكل شهري، إلى أنّ عائدات قناة السويس انخفضت بشكل كبير خلال ديسمبر 2024، حيث وصلت إلى 15.3 مليار جنيه (نحو 321 مليون دولار)، كما انخفض عدد السفن المارّة عبر القناة في الشهر ذاته إلى 1,006 سفينة، مقابل 2,138 سفينة عن الشهر ذاته العام 2023.
قبل أيام أعلن رئيس هيئة قناة السويس، الفريق أسامة ربيع، في تصريحات صحفية، أنّ القناة تحتاج نحو ثلاثة أشهر حتى تستعيد عافيتها، مع التأكيد أنّ ذلك مرتبط باستمرار وقف إطلاق النار، مشدّدًا على أنّ القناة هي الطريق الأفضل والأقصر للتجارة البحرية بين آسيا وأوروبا وأفريقيا.
ووفقًا لبيانات الجهاز المركزي، فإنّ القناة رغم تحسّن عائداتها خلال العام الجاري مقارنةً بالعام 2024، إلا أنّ الخسائر لم تتوقف، وقد وصل الفارق في الخسائر بين يونيو/ حزيران 2023 ويونيو الماضي إلى أكثر من 11 مليار جنيه (نحو 231 مليون دولار)، وهو ما يوضح حجم الخسائر الاقتصادية الواقعة على مصر جراء الهجمات في البحر الأحمر.
اليمن أكثر الدول المتضرّرة بيئيًّا
فضلًا عن الخسائر الاقتصادية الناجمة عن أزمة الملاحة في البحر الأحمر، تنعكس الأحداث الجارية بشكل مباشر على البيئة، وتمثل واحدة من أخطر الأزمات البيئية خلال العقد الحالي، وذلك بحسب رئيس معهد الاستدامة والبصمة الكربونية، الدكتور المصري مصطفى الشربيني، الذي يشير في حديثه لـ"الشبكة العربية للصحافة العلمية" إلى أنّ الأزمة الحالية لم تؤثر فقط على الأمن الملاحي والتجارة الدولية، بل أحدثت أثرًا بيئيًا مُركّبًا يمتدّ من زيادة الانبعاثات الكربونية إلى تدهور النُّظم البيئية البحرية، وتهديد الأمن الغذائي في المنطقة.
ويضيف أنّ البحر الأحمر الذي يُعدّ من أكثر النُّظم البيئية تنوّعًا وحساسية في العالم، يشهد اليوم ضغوطًا بيئية غير مسبوقة بسبب النزاع المسلّح والهجمات البحرية، ما يؤدّي إلى اختلال التوازن البيئي، ويشكل تهديدًا مباشرًا للشعاب المرجانية وأشجار المانغروف والكائنات البحرية التي تعيش في تلك المناطق.
ويتابع المراقب الرسمي في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (اتفاقية باريس): "إنّ إغلاق وتعطيل الممرات الملاحية في البحر الأحمر وباب المندب، أجبر السفن التجارية على تغيير مساراتها نحو طريق رأس الرجاء الصالح، وهو ما أدّى إلى زيادة المسافات البحرية بنحو 40 إلى 60% في بعض الرحلات بين آسيا وأوروبا، وبالتالي ارتفعت انبعاثات غازات الاحتباس الحراري (CO₂) بصورة هائلة، ما جعل الأزمة تتجاوز البُعد الأمني لتصبح أزمة مناخية وبيئية دولية.
ويوضح الشربيني أنّ إعادة توجيه حركة السفن بعيدًا عن البحر الأحمر تسبّبت في زيادة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنحو 13 إلى 40 مليون طن سنويًا، بحسب تقديرات المراكز البحثية المتخصّصة في تحليل النقل البحري، مشيرًا إلى أنّ هذه الكمية تعادل الانبعاثات السنوية لدولة متوسطة الحجم، مثل النرويج أو البرتغال.
ويكشف أنّ اليمن يُعدّ من أكثر الدول المتضرّرة بيئيًا من هذه الأزمة، حيث أدّت الهجمات البحرية إلى تسرّبات نفطية وكيميائية خطيرة من السفن المتضرّرة، مثل حادثة غرق السفينة " Rubymar " في مارس/ آذار 2024 ، والتي كانت تحمل نحو 41 ألف طن من الأسمدة والوقود، ما تسبّب في تسرّب مواد ملوّثة إلى مياه البحر الأحمر.
ويلفت إلى أنّ الصيادين اليمنيّين فقدوا جزءًا كبيرًا من مناطق الصيد الآمنة، حيث أصبحت المياه ملوّثة أو خطرة للإبحار، وهو ما أثّر على الأمن الغذائي والمعيشي لعشرات الآلاف من الأسر الساحلية التي تعتمد على الصيد كمصدر أساسي للدخل والغذاء.
تأثّر أكثر من 200 ألف صيّاد يمني
من جانبه، يتحدث رئيس جمعية الصيادين في مدينة المخا بمحافظة تعز، هاشم الرفاعي، عن كارثة مزدوجة تهدّد قطاع الصيد البحري، بعد حادثة استهداف سفينة الشحن "Rubymar" وما تبع ذلك من تداعيات اقتصادية وإنسانية.
ويقول لـ"الشبكة العربية للصحافة العلمية": "قبل الأزمة، كان الصيّادون يعملون بحريّةٍ تامّة حتى في الممرّ الدولي، يمرّون بجانب السفن التجارية من دون خوف، موضحًا أن الأزمة أثرت بشكل كبير على الإنتاج اليومي للصيّادين وانخفض دخلهم المعيشي، كما أدّى إغلاق منفذ التصدير إلى تدنّي أسعار الأسماك بشكل كارثي، خصوصًا الأنواع الباهظة التي لا تستطيع السوق المحلية استيعابها بكميات كبيرة، منوّهًا إلى أنّ التصدير ضروريّ للحفاظ على توازن القطاع الاقتصادي.
وعلى الرغم من عدم وجود أرقام رسمية مؤكدة حول عدد الصيّادين في اليمن، إلا أنّ عددًا كبيرًا من الصيّادين تأثروا وفقًا لوكيل محافظة الحديدة، وليد القديمي، الذي أكّد في تصريحات له أنّ الهجمات في البحر الأحمر أضرّت بأكثر من 200 ألف صيّاد يمني يعيشون على مهنة الصيد.
تشكل عائدات الصادرات السمكية مصدرًا مهمًّا لدخل اليمن من العملات الأجنبية، ويحتلّ هذا القطاع المركز الثاني في الناتج المحلي الإجمالي اليمني بعد النفط.
ويقول أحمد دبع، وهو صيّاد من محافظة الحديدة لـ"الشبكة العربية للصحافة العلمية": "نواجه مشاكل عدّة، من بينها صعوبة الوصول إلى الأسماك إلا في الأماكن العميقة التي تتراوح بين 10 و 15 ميلًا، وهي تحديدًا أماكن وجود الشعب المرجانية. كما أنّ مشاكل السفن ومشاكل الحوثيين في البحر الأحمر والحصار المتواصل للصيّادين وحصرهم في أماكن معيّنة للصيد، جعلتنا غير قادرين على الوصول إلى مناطقنا المعتادة".
الأمر نفسه يؤكده الصيّاد خالد محمد عمر من مدينة المخا لـ"الشبكة العربية للصحافة العلمية"، ويقول: "الوضع صعب جدًا، لم نعد قادرين على الصيد بحريّة، بسبب الخوف من الاشتباكات والمضايقات التي صارت تتكرّر بكثرة خلال الأشهر الماضية. وقد تردّدتُ أغلب الأحيان في الخروج إلى البحر، ما أثّر على عملي اليومي، فكان أن قلّت كمية الأسماك ، كون المناطق المعتادة للصيد أصبحت مناطق خطرة".
ويضيف: : "تراجع الصيد بسبب الخوف والفوضى، وحتى الأسماك تأثرت بالاضطرابات المستمرة ، أحيانًا يعود كلّ منّا خالي الوفاض، ونبيع بأسعار زهيدة فقط لتغطية احتياجاتنا اليومية". ويتمنّى عمر حلولًا تضمن استقرار البحر وحركة الملاحة، وحماية الزوارق الصغيرة، موضحًا أنه "إذا تحقق الأمن في البحر، سنعود إلى العمل بسلام وكسب الرزق اليومي بأيدينا".
وتشير التقديرات والبيانات الرسمية إلى أنّ إنتاج اليمن من الأسماك والأحياء البحرية كان يبلغ سنويًّا نحو 200 ألف طن، وذلك قبل العام 2015 وقبل اندلاع الحرب داخل اليمن، حيث كان يتمّ تصدير ما بين 40 إلى %50 من هذا الإنتاج، ويُدرّ عائدًا يُقدّر بنحو 300 مليون دولار، غير أنّه ومنذ اندلاع الحرب انخفض حجم الإنتاج بشكل كبير.
ووفقًا لمنصة الأمم المتحدة، فإنّ تحويل الطريق التجاري البحري إلى رأس الرجاء الصالح أدّى بدوره إلى ارتفاع تكاليف الشحن والتأمين، مع زيادة الوقت الذي تقطعه السفن والناقلات إلى أكثر من النصف، كما لجأت السفن إلى زيادة سرعتها من أجل الوفاء بالتزاماتها في تسليم الشحنات.
وأوضحت المنصة أنه على الرغم من زيادة المسافات واستخدام الوقود بشكل أكبر، فإنّ نسبة ثاني أكسيد الكربون ما زالت مستقرة.
النُّظم الإيكولوجية العابرة للحدود مهدّدة
ويؤكد الشربيني، الخبير الدولي في الاستدامة والمناخ، أنّ مصر تأثرت بشكل غير مباشر ولكن بعمق، موضحًا أنّ تراجع حركة السفن في قناة السويس أدّى إلى انخفاض في الإيرادات، وهو ما قد يؤثر على قدرة الدولة على تمويل برامج حماية البيئة البحرية ومشروعات الاستدامة الساحلية.
وينبّه إلى أنّ التلوّث البحري العابر للحدود يمثل خطرًا مستمرًا على السواحل المصرية في البحر الأحمر، إذ أنّ تيّارات المياه يمكن أن تنقل الملوّثات من جنوب البحر الأحمر إلى شماله، ما يهدّد الشعاب المرجانية في الغردقة وشرم الشيخ، والتي تُعدّ من أهم النُّظم المرجانية في العالم وأكثرها مقاومةً لتغيّر المناخ.
ويحذّر من أنّ الزيادة المفاجئة في الانبعاثات البحرية الناتجة عن أزمة البحر الأحمر قد أربكت حسابات الحياد الكربوني العالمية لعامَي 2024 و2025 ، إذ أضافت ما يعادل نحو 3% من الانبعاثات الإضافية لقطاع الشحن العالمي في فترة قصيرة.
وحول مقترحات الحلول البيئية المستدامة التي يمكن أن تقلل الآثار السلبية، يقترح الشربيني تفعيل بروتوكولات الطوارئ البيئية البحرية في البحر الأحمر وخليج عدن، وتزويد الدول المتأثرة بوسائل التدخل السريع للتعامل مع التسرّبات النفطية، مع إطلاق برنامج إقليمي لحماية الشعاب المرجانية المتضرّرة ، فضلًا عن دعم الانتقال إلى وقود بحري منخفض الكربون ضمن الممرّات البحرية البديلة، وإشراك المجتمعات الساحلية المحلية في مراقبة البيئة البحرية وتنمية الصيد المستدام لتعويض خسائرهم.
الأمر ذاته يؤكده رئيس جامعة حجة في اليمن، الدكتور عبدالله حيدر، ويقول لـ"الشبكة العربية للصحافة العلمية"، إنّ التلوّث ليس مسألة طارئة، إنّما عبارة عن تراكم مستمر عبر السنوات، بدءًا من تهريب النفط الإيراني إلى مناطق الحوثيين، مرورًا بتسربات السفن المتهالكة، وصولًا إلى استهداف السفن في خليج عدن، موضحًا أن البحر لا يغسل جراحه سريعًا، وكلّ نقطة نفط تتسرّب إليه تحتاج عقودًا كي تختفي.
ويضيف حيدر، وهو خبير المناخ التطبيقي، أنّ التلوّث البحري لا يقتصر على البيئة، بل يمتدّ إلى الأمن الغذائي والصحة العامة والاقتصاد الوطني، مشيرًا إلى أنّ أكثر من نصف مليون يمني يعتمدون على القطاع السمكي، بينما تؤدّي الملوّثات الكيميائية إلى نفوق جماعي للأسماك والرخويات، وإلى تلوّث السلسلة الغذائية، ما يزيد معدلات الإصابة بالأمراض المزمنة والسرطانية لدى المجتمعات الساحلية.
وفي السياق ذاته، يؤكد الخبير البيئي، محمد الأسعدي لـ"الشبكة العربية للصحافة العلمية"، أنّ كلّ استهداف بحري لا يُعدّ مجرّد حدثٍ عسكري فحسب، إنّما حدث بيئي من الدرجة الأولى، وأنّ الملوّثات الناتجة عن احتراق الوقود أو غرق الناقلات لا تقتصر على المياه ، بل تتسرّب إلى السلسلة الغذائية وتؤثر على صحة الإنسان لسنوات.
ويلفت مستشار الشؤون البحرية في الهيئة العامة لحماية البيئة في عدن جنوبي اليمن، المهندس محمد عبدالله سعد، إلى أنّ الإغراق المتعمّد للسفن والعائمات البحرية يمثّل أكبر تهديد للملاحة البحرية، وله أثره البالغ على النُّظم الإيكولوجية العابرة للحدود، حيث لا يمكن حصر البيئة البحرية في موقعٍ جغرافي محدّد، بل إنّها تمتدّ عبر البحار إلى المحيطات.
ويشدّد وكيل الهيئة العامة للبيئة التابعة للحكومة الشرعية في اليمن، عبدالسلام الجعبي، على أنّ اليمن يتمتّع بتشريعاتٍ والتزاماتٍ بيئية واضحة، إلا أنّ الحرب المستمرة منذ أكثر من عشر سنوات، وسيطرة المليشيات الحوثية على محافظة الحديدة المطلّة على البحر الأحمر، وقرصنتها المستمرة للسفن، تسبّبت في تلوّث كبير لا تستطيع الحكومة الشرعية احتواءه، جراء عدم تمكنها من الوصول إلى مواقع التلوّث التي تُعتبر مناطق عسكرية خاضعة لسيطرة المليشيات.
هذه المادة ضمن مخرجات البرنامج التدريبي "الصحافة العلمية وأدوات الذكاء الاصطناعي" الذي نظمته الشبكة العربية للصحافة العلمية خلال "سبتمبر- نومفبر 2025"
فريق العمل :
سمير عثمان -أحمد حوذان - محمد مفلح - أمة الرحمن العفوري - نجوى حسن - ايمن الصادق - أمل وحيش