عمليات الصيانة وتنظيف السفن في تونس: القاتل الخفي في أعماق البحار


الخميس 24 يوليو 2025
عمليات الصيانة وتنظيف السفن في تونس: القاتل الخفي في أعماق البحار

بقلم مبروكة خدير - تونس 

 

في خليج قابس، حيث تتداخل زرقة البحر بزرقة السماء في مشهد كان يومًا لوحة طبيعية بكر، يقف أحمد بكار، البحار الذي ورث المهنة أباً عن جد، شامخًا كصارية سفينة عتيقة.

 لكن اليوم، لا يحمل نسيم البحر عبق السمك الطازج، بل رائحة كريهة تخالطها آثار زيتية لزجة تلتصق بشباكه المثقلة بالهموم أكثر من الأسماك. كثيرا ما يعود أحمد من يوم صيده إلى شاطئه الرملي، وشباكه التي يفترض أن تحمل رزق عائلته، متسخة ببقع سوداء لامعة، شاهدة صامتة على كارثة بيئية تفتك بمصدر عيشه.

يمسح أحمد بكار بيده الخشنة آثار التلوث عن الشباك، وكأنما يمسح جزءًا من روحه التي تتآكل مع كل يوم يمضي. يروي أحمد بقلب يعتصره الألم كيف أن البحر الذي منحه الحياة لأجيال، بات اليوم يضن عليه بخيراته. الثروة السمكية تراجعت بشكل مخيف، وأنواع كانت تملأ السلال أصبحت ذكرى بعيدة، والتنوع البيولوجي الذي كان يميّز خليج قابس يتلاشى أمام عينيه.

جملة واحدة رددها أحمد مرات عديدة في لقاء كوسموس ميديا معه فلخّصت كل الرواية: “كيف لنا أن نصطاد سمكًا في بحر مريض؟”

معاناة أحمد ليست فردية، بل هي صرخة بحارة خليج قابس الّذين يشاطرونه الألم، يرون بأعينهم البحر يتحول تدريجيًا إلى مقبرة لكائنات حية ومستقبلهم.

في زوايا مظلمة من عرض البحر، بعيدًا عن أعين الرقابة الصارمة، تتكشف ممارسات مؤلمة تزيد من وطأة الكارثة. يهمس بحارة قدامى بمرارة عن أولئك الذين تجردوا من ضمائرهم، أولئك الذين يعمدون إلى تفريغ خزّانات سفنهم المليئة بالزيوت الثقيلة ومخلفات التنظيف السامة في قلب المياه الزرقاء. تحت ستار الليل أو في خلوة الأمواج المتلاطمة، يلقون بحمولتهم القذرة دون أدنى إكتراث بالعواقب الوخيمة على البيئة البحرية الهشة. يصبح البحر بالنّسبة لهم مجرد مكب نفايات شاسع، متناسين أنهم بذلك يقتلون الحياة التي يقتاتون منها يهم أنفسهم ، ويسممون مستقبل عدد كبير من الصيادين بأيديهم الجشعة. إنها جريمة صامتة ترتكب في الخفاء، لكن آثارها المدمرة تطفو على السطح لاحقًا، تلتصق بشباك أحمد بكار وزملائه، وتفتك بالكائنات البحرية، وتلوّث الشواطئ التي كانت يومًا ملاذًا للجمال والهدوء. “هذا الاستهتار بحرمة البحر، هذا الطمع الآني على حساب إستدامة الحياة، يمثّل جرحًا غائرًا في جسد البيئة البحرية التونسية، ويضاعف من معاناة أولئك الذين يحترمون البحر ويستمدون منه رزقهم بشرف.” هذا ما يقوله إحمد البحار في حديثه لكوسموس ميديا.